ذات مساء ما من ليالى شهر مارس عصف الهواء بشده فحرك ورقه شجر بنيه اللون
كانت مستنده على سور لاسطح احد المنازل العتيقه الطراز والمكون من ثلاث طوابق ..
فارتفعت الورقه فى الهواء فحملها على كفيه فاخذت
طريقها تسقط الى اسفل السور فمرت بالدور الاخير وكان موصد الشبابيك ثم سقطت للدور
الثانى
وكان شباكه مفتوح على مصرعيه فاخذها الهواء الى داخل الغرفه لتستكين على ارضيتها
امام الورقه الساقطه كان هناك سرير باعمده نحاسيه و يرقد عليه رجل فى الثلاثينيات
من عمره ويبدو للوهله الاولى انه رث الثياب و فى كامل الاعياء وطليق اللحيه وكانه اهمل نفسه
منذ عمر فضاعت من وجهه ملامح الحياه ..
فتح الرجل عينيه فى تثاقل فوقعت على صوره قديمه غير ملونه لرجل وامراه تحتل منتصف
الحائط امامه ويبدو للناظر
اليهما ان المراه تنظر بحده حين التقاط الصوره وكان نظرتها تلك تحمل سببا غريبا ً.
...
سرعان ما قام الرجل متثاقلا ً حتى وصل الى منضده صغيره عليها سخان لصنع الشاى وبراد
وكوب واحد فقط غير انه لشده ما استعمله تغير لون زجاجه الى البنى ,,,
فاخذ البراد وعاد به وقد عيره بماء مساوى للكوب وشرع يصنع لنفسه كوبا من الشاى ..
ثم جلس امام تلك المنضده فاتحا ً كتاب متهالك الصفحات ويبدو ان صفحاته كتبت بخط اليد
غير انها منمقه جدا وتوحى لمن يقراها انها كتبت بيد خطاط وليس انسان عادى ..
كتب فى اعلى الورقه الاولى
بسم الله العظيم الشان خالق الانسان ومصوره فى احسن تقويم المتفرد بجلال الكمال
فله سبحانه كمال السبحان فى ما هو كائن وما سيكون وما كان
الواحد الاحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ احد واصلى واسلم على محمد
عتره الاتقياء وامام الانبياء والال والصحب الغر الميامين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ..
ان ما دفعنى لان اسطر تلك السطور هو امر يفوق تصور العقول ويخرق النواميس والاصول
و يخرج
عن محدوديه العقل الى مشيئه خالق العقل فلذلك ارجو الا تكذبونى فى ما ارويه على غرابته
ولا تعقبو الا بتسبيحكم و كله صدق والله من وراء القصد ..
اسمى هو الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد الراعى
قد كان ذلك فى غره شهر محرم 1380 هجريا وكنت وقتها لم اجاوز الخامسه والعشرون
من عمرى .. شاب اقطن بقريه صغيره فى احد قرى ارياف مصر اعمل فيها اماما ً معينا من الازهر
لزاويتها الصغيره و ماذونا ً شرعيا لاهلها ..
كان من عادتى ان اقوم الليل متهجدا ً فانا اسكن وحدى وبعيدا عن الاهل الذين لم يزالو فى
بلدتى بصعيد مصر حيث ولدت ..
اقوم اتلو القران بصوتى فى هدوء ولا يقطعنى عن عبادتى سوى قيامى قبل طلوع الفجر
لاستحم واتوضأ فى بحر القريه واتوجه للزاويه وكلما مررت ببيت علوت بالتكبير موقظا الناس
لصلاتهم ..
وذات يوم بينما فرغت من قراة قران الفجر وكنت اتلو من سورة الضحى فارتل بخشوع
وتفيض عينى مع الايات لحقنى وقت الفجر فخرجت مسرعا الى البحر حيث اغتسل وتلفتت
حولى فتاكدت ان لا احد هنا فاغتسلت وبينما ارتدى نصف ثيابى شرعت اتوضأ للصلاه
واذا بصوت انين مكتوم يصدر على مقربه منى يقطع هدوء المكان وصمت الليل ..
قمت من جلستى لوضوئى والانين مزال متقطع و يصدر بتالم غريب ..
تتبعت الصوت بوجل حتى وصلت لكومه من الحشائش والاشجار نصفها يغمره ماء البحر ونصفها
الاعلى يعلو الارض مشكلا ً كومه من الاوراق الكثيفه .. ما ان ازحت الاشجار حتى
وقعت عينى على فتاه فى العشرين من عمرها عاريه تماما ً كما خلقها الله .. ملقاه اسفل الشجره
وجسدها موحل تماما ً من طين الارض وشعرها ملقى ومتسخ تعلوه اوراق الشجر وبقايا الطين
وتصدر انينا ً متقطعا ً ورغم ان عينها مغلقه الا انى لمحت خيطا من الدموع يزيل الطين فى
طريقه من عينها على وجهها ..
غالبت نفسى من النظر اليها عاريه ودافعت هواجس الشيطان و جريت الى عباتى الملقاه هناك
فغطيتها بها واخدت اخلص شعرها من الشجره وحملتها فى العباءه بين يداى حتى وصلت منزلى
فوضعتها هناك .. وجلست بجانبها لا ادرى ماذا افعل ..
اخدت بعض الماء العذب و بللت قطعه نظيفه من القماش واخذت امسح الطين من على وجهها
فاذا وجهها وكانه وجه الملائكه من شده البياض .. وفيها من الحسن ما لم اراه فى امراه اخرى
فحاولت غض بصرى قدر استطاعتى ..
سرعان ما اسندت راسها لاعلى
وجئت بكوب من اللبن فمزجته ببعض العسل واخذت اسقيها بهدوء و لزال انينها الخافت
يتهادى بين فتره واخرى ودموعها تتقاطر ولم تفتح عينها بعد ..
كانت ترفض اللبن المحلى بالعسل فيسيل عن فمها الا قليلا ً .. ثم سرعان ما بدأت
تاخذ منه رشفات وانا اسقيها وانينها الخافت يهدأ شي فشي .. ودموعها مستمره ..
بعد اكثر من نصف ساعه سمعت من يطرق بابى فاغلقت عليها باب الغرفه وخرجت مسرعا ً
فاذا هو الحج جلال يقول انه اتى يستفسر عن تفويتى لصلاة الفجر وهل انا بخير
فاخبرته انى امر بوعكه صحيه و انى فضلت ان استريح اليوم وساقضيها ان شاء الله
ودعوته للدخول فاستأذن فى ادب متمنيا ً لى عاجل الشفاء ..
فاغلقت الباب خلفه .. وذهبت الى الغرفه حيث وضعتها .. ووقفت بجانب السرير لا ادرى
ماذا افعل ..
هدانى تفكيرى ان اطعمها اكثر فهى تستجيب للطعام والدليل ان انينها قد انتهى ..
فاخذت احاول ان اسقيها الماء فترفضه فابلل يدى وامررها على شفاهها بالماء ثم اسندها فاسقيها
بعض الماء .. واغسل وجهها من الدموع بيدى ...
لم انظف منها شي الا وجهها وانا اعلم انى لا يحق لى ان المسها مطلقا ً وبت اقنع نفسى
ان هناك ضروره ثم اقنع نفسى انه الشيطان يزين لى الخطاء ..
ساعات وانا اطعمها اللبن بالعسل واسقيها الماء حتى توقفت عن الانين و عن البكاء
واسندت راسها فى هدوء فلم يعد يصدر منها شي يدل على الحياه فوضعت يدى امام انفها
فاذا انفاس خفيفه فلم اتاكدت فقربت اذنى من قلبها فوجده يدق فى وهن ..
فهل ماتت ؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق