الأحد، 7 ديسمبر 2014

عصفورة المساء..

عصفورة المساء..

هروباً مِن ضجيج المُدُن, التي تلوثت أصواتها بأزيز الرصاص. وبعيداً عن تلك اللعبة التي يقال بأَنها لعبة الصداقة. هي ذات اللعبة, التي كانت مفاتيحها من طهر المحبة, اتجهت في مساء يومٍ باكٍ إلى تلك الواحة, جَلَسْت على الأعشاب الخضراء.. بعد أَن إتَّخَذْت من جذع تلك الشجرة الصغيرة مسنداً. كانت عيناي تنظر بطريقتها إلى الجداول, التي كانت تعزف ذلك اللحن العذب, كأنها فرقة موسيقية نزلت من سماء ثامنة.. جاءت من الأُفُق البعيد عصفورة مساء طاهر.. كانت ترتدي ثيابً نسجت من ذلك الريش الأصفر.. لم تكن عارية, بمفهوم البشر. ربما تكون العصافير عارية, ولكن شتان ما بين عُريِّهُم وعُريِّ الباقين.. كانت تلك العصفورة قد حطت رحالها على ضفاف ذلك الجدول, البعيد عني بضع خطوات. لكنها تقترب بحذر, تتلفت يميناً وشمالاً, ربما تخاف مِن تلك الصقور السوداء, التي تراها من بعيد, حتى تلتهمها بشهوة لئيمة. ربما فَهِمَت تلك الكلمات التي كانت مخبأة خلف ستار نظراتي من بعيد.. قالت لي من بعيد بذات النظرات, بعدما أدارت رأسها بحذر: -كنا نعيش في عشٍ صغير, أنا والكَنار, كان في كل صباح يطير بحثاً عن قوت يومنا من أجلنا نحن والصغار.. وفي ذات صباح. لم يَكَد يطير بضع خطوات, حتى اصطدمت به رصاصة عمياء. بكَيْت عليه, وأنا أترقب من بعيد حتى أحمي صغاري, رأيت إنساناً ينتشله وهو يتمتم: -وجبة لذيذة في هذا اليوم, هل نشويه أَو نجعله مقلياً. عندما قالت بأَنه إنسان أحمق, للحظات انتابتني تلك المشاعر الغريبة التي تتحدث بلغة الذات وهي تسألني بإستغراب: هل حقاً يتعرض الإنسان لنوبات حماقة تجعله يفكر بسلب الطيور الضعيفة من صغارها؟. بَعْد أَن قامت بالشرب من ذلك الجدول, أَخَذَت حصتها من قوت يومها إلى صغارها, وخبأت ذلك تحت ريشها, ودعتني من بعيد بحذر وإنصرفَت.. أحببت ذلك اللقاء, لكني لم أعرف بأَنها ستأتي في المساءات القادمة أَم ستبقى في عشها لتحمي صغارها من تلك البندقيات المتطفلة.. كانت تلك الواحة مكاني المفضل, الذي عَشِقْت المجيئ إليه في كل مساء. وفي كل وقت, كنت في غاية السعادة, عندما أشارت لي بطرف جناحها بأَنني على الرغم من كوني إنسان لكنها لم تَخَف مني. بذات الطريقة كنا نتجاذب أطراف الحديث. وبعد سير الأزمنة الهاربة من عقارب الوقت. جاءت, لكنها كانت متعبة, باكية, تطير بأجنحة بالكاد تحملها, جاءت لتشرب من ذات الجدول, عيناي تنظر إليها من بعيد, وبعد أَن قامت بجمع ذات القوت, وخبَّأَتْه بين ريشها, لم تلبث أَن تنفض جناحيها من بقايا الماء, وإذا بها تغرق في ذات الجدول, في ثوانيها الأخيرة, كانت تنظر إلَي بوداع, فَهِمْت أَنها تريدني أَن أحترس على صغارها, وأَن آخذ قوت هذا اليوم إليهم, من تحت ريشها. وعند ذهابي إلى حيث العُش الصغير, وَجَدْتُّهُم قد لحقوا بأمهم وأبيهم. قمت بدفن عصفورة المساء بجانب بيضها بعدما بكيت عليهم جميعاً, وأَدْرَكْت لؤم تلك الغريزة الإنسانية الموحشة, التي تبث نيران الباقاء المحرقة, تلك النيران التي أنهكت عصفورة المساء. وأَلْقَت حمولة التعب الثقيل على جمال ريشها الأصفر.. كان ذلك المنظر ينبض بالقداسة, عندما دُفِنَت عصفورة المساء بجانب صغارها.. لم أَقُم بالصلاة عليهم, فأنا أعرف بأَني مهما يكن أبقى إنسان, يختبئ خلف ستار روحي نور خافت من الخطيئة.. تَرَكْت الصلاة عليهم لملائكة السماء, ألقيت عليهم الوداع والسَكينة وغادَرْت بصمت جليل, وأنا أرجو أَن تُحَلِّق عصفورة المساء في جنان السماء..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق